في ارتحاله الدائم،بحثا عن عمل ما..توقفت به الحافلة هذه المرة، بمدينة كبيرة سمع عنها الكثير من الحكايات المقلقة.
منتصف الليل لم يساعده بالتحرك في أرجائها، ففضل الجلوس قرب المحطة، حتى يضمن سلامته، و متاعه القليل من السرقة.
أحس بالاطمئنان، خلع حذاءه وتمدد فوق متاعه، ليشرع في تدخين سيجارته بلهفة متابعا دخانها الذي ينتشر في الفضاء الباهت.
بدأ النوم يداعب عيناه فصرفهما لتتسكعان في الشارع الطويل..لكن هاله ما التقطتهما، من مشاهد لم يكن لها حيز في ذاكرته الضيقة.
المشهد الأول:سيارات فاخرة، تجوب الشارع بحثا عن شيء ما..خمن ربما تكون فتيات ليل، أو صفقات مشبوهة، أو...
عند نهاية الشارع مجموعة من المشردين، يبحثون في قمامات المطاعم المتراصة، عن فتات يقيهم حر الجوع،أو أماكن تحوي أجسادهم المتعبة.
المشهد الثاني:امرأة لا تبدو عليها حالة الفقر، تمد يدها لرواد المقهى، ينهرها النادل، فتبتعد منه لتنهال عليه بكلمات نابية بدت غريبة عليه.
المشهد الثالث:فتيات في عمر الزهور، شبه عاريات، يتمايلن وسط الشارع بحركات مثيرة، و عيونهم لا تفارق السيارات العابرة.
دراجة نارية، بصوت عالي، تكسر الصمت، تمتد يد منها، لتنزع حقيبة إحداهن.
المشهد الرابع:أفاق من غفوته، ليجد أن متاعه قد سرق مع حذائه.
انتفض من مكانه فزعا، و عيناه تدوران في محجريهما بسرعة، بحثا عن أي شيء، فلم يجد إلا يداه ،ليضربهما على الحائط بقوة،و هو يصيح:لقد سرقوني أولاد ال...
المشهد الخامس:لم يدونه في ذاكرته،بل التقطه الآخرون،وهم يشاهدون شخصا مجهولا،حافيا،وقميصه شبه مفتوح،وحزام سرواله يتدلى من وسطه،ينبس بكلام
غير مفهوم.
حيث علق أحد المارة وهو يتابع حركاته، ها هو مجنون آخر لفظته إحدى الحافلات.